درب من دروب العدالة الخاصة المؤسسة على مبدأ سلطان الإرادة، ووسيلة من أبرز الوسائل السلمية البديلة لفضِّ المنازعات دون طريق القضاء، إنه أمر مهم وضروري لمتطلبات أعمال التجارة الدولية الحديثة والاتجار الدولي في الخدمات التي لم تعد المحاكم قادرة على التصدي لها بشكل منفرد.
فمع التطور السريع والمستمر في التجارة والخدمات، نتج عن ذلك تعقيد للمعاملات وحاجة إلى سرعة وسرية وفعالية في حل الخلافات بطريقة تخصصية، ما دعا لوجود آليات قانونية غير تقليدية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفعّال مع منحهم مرونة وحرية لا تتوفر لهم عادة في المحاكم العادية.
وبالتعويض عن القضاء العادي، وخروج التقاضي عن هذا الإطار، جعل التحكيم وسيلة أصيلة لحل الخلافات ليست بديلة، فقد أدى ازدياد لجوء المتنازعين إلى المحاكم في الفترة الأخيرة إلى عدم جواز تسمية تلك الوسائل بـ(البديلة)، ذلك أن كثرة اللجوء إليها أدت إلى تحولها في كثير من الأحيان إلى وسائل أصيلة يلجأ لها الأطراف ابتداءً. ويعتبر التحكيم والتوفيق من أهم الوسائل البديلة لحل النزاعات وقد حددت اتفاقية التجارة الدولية التحكيم كوسيلة وحيدة لحل المنازعات التي تنشأ بسبب تطبيق قواعدها.
ولا أقصد لأن يكون التحكيم بديلا عن القضاء بل هو مكمل له، ويتم وفقا لإجراءات القانون وتحت رقابة القضاء، إنه وسيلة فاعلة يمكن استخدامها للابتعاد عن القوانين الوطنية ولتفادى قيام المنازعات في مراحل التعاقد بل حسم تلك المنازعات عند حدوثها، ولتؤكد استقلال التجارة الدولية عن حرفية وصرامة قانون القضاء. ففي التحكيم التجاري الدولي يقصد المحكمون العدالة ويبحثون عنها أيا كان مكانها، مستندين في ذلك إلى عادات وأعراف التجارة الدولية، ووفقا لقرائن وظروف الحال من خلال إرادة الخصوم الصريحة أو الضمنية، بينما يتمسك القضاء بحرفية نصوص وقواعد القوانين الوطنية.